السبت، 30 أبريل 2011

رسالة أهل الداخلية لجلالة السلطان .. الجزء الثالث .. ملامح الاخفاق الاداري والمالي بالجهاز الحكومي

ثانياً :- ملامح الإخفاق الإداري و المالي بالجهاز الحكومي
و الحلول المقترحة
و هو موضوع شائك و معقد ، تمكنت فيه عبقرية المتمرسين بلعبة الصفقات ، و النهب و السرقات للمال العام ، تمكنت من إلباس الباطل ثوب الحق ، و بالتالي فإن أمر النظر فيه و وضع النقاط على الحروف ، يحتاج إلى لجنة أخرى متخصصة و مخلصة ، من الشرفاء ، ذوي  الفكر و العقل الاقتصادي المتخصص.
و لكنا هنا من جانبنا ، كفئة مستنيرة ، سنستعرض ، على جلالتكم  ، بعد إذنكم  ،  ما طفا على السطح ، و ظهر من مرئيات صور هذا الإخفاق الإداري ، لدى نماذج  ممن نالتهم خطوة التصحيح و الإصلاح التي قمتم بها جلالتكم مؤخراً ، لإدراككم بخروجهم على قيمكم و مبادئ حكمكم السامية الرفيعة  ؛ جزاكم الله عن عمان و شعبها كل خير في الدارين .
و يتمثل هذا الاستعراض في النقاط التالية :-
v   استغلال المناصب الحكومية  لخدمة المآرب و الأغراض الشخصية ؛ فصار الكثير ممن و صلوا إلى المراتب الوظيفية العليا ، بين عشية و ضحاها ، من ذوي الملايين إن لم يكن المليارات .... لهم مالهم من المشروعات و الممتلكات  و الشركات الضخمة التي لم تكن لهم ، و لا بوسعهم امتلاكها ،  قبل وصولهم لتلك المناصب .
v   انتشار، بل و سواد ظواهر المحسوبية ، و الشللية و الواسطة ، في شتى أعمال و  معاملات الأجهزة الحكومية . فمن ليس له قريب أو حسيب أو معارف في هذه المؤسسة الحكومية أو تلك ، عند قضائه لأية معاملة فيها ، فليس له سوى أن يجأر بالشكوى إلى الله ، لبقاء معاملته الأيام أو الشهور و الأعوام ، أو يغيبها النسيان في الأدراج .... و الأخطر من ذلك ما عرف مؤخراً بظاهرة " اخدمني و أخدمك " ، و ظاهرة تقاسم كيكة المناقصات الحكومية ، بين شركات بعض العناصر و الفئات المتنفذة ، حيث يتم تداول تلك المناقصات بينها ، فتعمد من لها دَور الحصول على المناقصة ، إلى طرح القيمة المتفق عليها ، على أنها الأقل من بين العروض المقدمة ،( و تكون في الغالب أضعاف أضعاف القيمة المستحقة للمشروع ) فترسو عليها المناقصة ، وفق القوانين المالية  الرسمية المتعارف عليها في أخذ و إعطاء المناقصات ، في ظاهر الأحوال ... ثم يأتي الدور على غيرها من الشركات الإخطبوط بنفس الآلية ... و هكذا دواليك. و هي فضائح تحدثت عنها حتى و سائل الإعلام الرسمية للدولة ، عبر برامجها المختلفة التي من  بينها المسلسل التلفزيوني " درايش " ، وبرنامج " صباح الخير "
v   التفاوت الكبير الحادث بين رواتب العاملين بذات الدرجة  في العديد من القطاعات العاملة بالدولة ، كالفرق بين مرتبات و مكافآت العاملين بالديوان و الجامعة  ، مع غيرهم من العاملين بباقي الوزارات و المؤسسات الحكومية ، مع أننا كلنا أبناء وطن و حاكم وقانون واحد .و هو حال لا يفرز في نهاية المطاف ، إلا التمييز و الطبقية ، و الإحساس بالفوقية عند البعض ، و عند البعض الآخر بعقدة النقص والدونية ، وما يترتب عليها ، بالتالي ، من غيض ، و من حساسية و تنافر بين أبناء الوطن الواحد .
v   الرواتب المتدنية التي لا تغطي الاحتياجات الأساسية لحياة  كثير من العاملين في القطاعين الحكومي و الخاص ، فمع جشع التجار و لهيب الأسعار ، لكافة المستلزمات الأساسية للحياة ، بات المعيل الذي مرتبه الشهري  (500) ريال ، يعد من فئة الدخل المحدود . فما بالكم بمن دخله الشهري لا يتعدى ألـ (200 ) أو (300 ) مائة ريال ، الأمر الذي أجبر الناس على الغرق في مستنقع الديون ، فصار أكثر من 90% من الشعب مدان بصورة أو بأخرى لهذه الجهة أو تلك ، من الجهات التي استغلت هذا الوضع المزري و المتردي لأحوال الناس الاقتصادية  ، فمارست فيهم  أبشع صور الإذلال و الاستغلال و النهب ، بأخذ الأرباح المركبة الفاحشة ، من مرتباتهم الزهيدة .
v   الترقيات ؛ هي الوحيدة التي استوى فيها العامل و الخامل ؛ و الخامل ربما كان أكثر حظوة !! المجد المجتهد مع المتقاعس المنهد، و النشيط المبدع مع الكسول البليد . فغابت معايير الترقيات و المكافآت ، فدب الترهل و التهاون و اللامبالاة بين العاملين في المؤسسات ، فانحدر الأداء فيها و جودته إلى أدنى المستويات ، في ظل غياب معايير الثواب و العقاب . فمن أمن العقوبة أساء الأدب ، ومن لم يكافأ على إبداعه وتميزه ، انكفأ على نفسه و ترك الجد و الاجتهاد .
v   النهب و النهش المؤلم السافر الذي تمارسه البنوك ، و شركات الكهرباء و الاتصال ، في أموال و حياة الناس ، فأتخمت تلك المؤسسات التجارية الجشعة من لقمة عيش الفقراء ، و سجلت أرباحها الأرقام الخيالية من جيوب الضعفاء ، مستغلة حاجة الناس لخدماتها ، و غياب الرقابة عنها ، فاستفردت بالشعب و افترسته افتراس الذئاب للنعاج ....  فما الأرباح الضخمة لأية مؤسسة ، إلا محصلة المبالغ الضخمة المضافة بنسبة تفوق أضعاف تكاليف إنتاج سلعتها عند البيع ، أي أن ما تكلفته (100) مائة ريال و كان المفترض بيعه بإضافة 20% كربح ، يباع للمواطن المسكين بقيمة
( 300 ) ثلاث مائة ريال أو نحوها ، بمعدل إضافي يقارب( 300%) من قيمتها الحقيقية .

الحلول المقترحة لتقويم هذا الخلل :
v   وضع قوانين إدارية و مالية صارمة ، و تشكيل جهاز رقابي ، له صفته الاعتبارية المستقلة ، لوضع حد لكل تلك التجاوزات و الظواهر المشينة ، من شللية و محسوبية و محاباة ، ومن تحايل على القوانين لخدمة المآرب الشخصية أو الفئوية ، لدى كل المؤسسات الحكومية بلا استثناء ( بما فيها المؤسسات العسكرية من جيش و شرطة و أمن ) ، و على كافة مستويات الهيكل الإداري و التنظيمي للدولة ، واضعاً في اعتباره وجوب أن يكون العقاب و الثواب ، من جنس العمل .
v   أن يتبنى هذا الجهاز الرقابي ، مبدأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الرقابة و المحاسبة .... مبدأ " من أين لك هذا ؟" فيعمد إلى حصر ممتلكات و مداخيل أي مسؤول من مستوى مدير عام فصاعداً ... حصرها قبل استلامه للوظيفة ، و مراقبته و متابعته بشكل دوري ... و كل من يثبت عليه عدم الأمانة المالية أو الإدارية ، ينحى عن وظيفته فوراً ، و تتخذ في حقه الإجراءات القانونية الرادعة
v   أن تعمد الدولة إلى وضع سقف نهائي لثروات الوزراء ، و من يصل إليه منهم ، يعفى من مسؤوليته كوزير ، ليتفرغ لأعماله الخاصة ، إذ لا ينبغي لأي كان أن تجتمع في يديه سلطتي المال و الدولة ؛ كما أنه يجب مساواتهم في مرتبات التقاعد مع باقي الموظفين الآخرين  ؛ فليس من المقبول أن يحال الوزراء إلى التقاعد مع احتفاظهم بكافة مزاياهم ورواتبهم الآلاف  دون أي انتقاص ، بينما البعض الآخر يحال للتقاعد براتب 150 ريالاً فقط .
v    رفع رواتب العاملين و المتقاعدين ، في القطاعين ، العام و الخاص ،  إلى المستوى الذي يؤمن للفرد مستلزمات الحياة الكريمة ،،،، مع وجوب استباق هذه الخطوة بوضع سقف نهائي لأسعار السلع الضرورية في  الأسواق... و إلا فلن يكون هناك أي نفع لأية زيادة في الرواتب ، بل سيكون هناك المزيد من الانتفاخ في جيوب أرباب التجارة  الجشعين ، لا أكثر.
v   دعم الدولة  للسلع الأساسية القائمة عليها حياة المواطن ؛ كالأرز ، و الطحين و السكر و الزيوت و مشتقات الألبان . و بعض الفواكه و الخضروات ؛  وخاصة  عند وقوع الأزمات الغذائية  ، و زيادة الطلب على الكم المعروض من هذه المواد الضرورية ؛ و ذلك للحفاظ على قيمة تلك السلع في الأسواق دون تغيير ؛ و بذلك تحمي المواطن من مضاربات السماسرة و التجار .
v   أن تُعِيْنَ الدولةُ مواطنيها على العيش بيسر و هناء من خلال قيامها نحوهم بالخطوات التالية :-
-  خفض تسعيرة الكهرباء و الماء و الهاتف .
- خفض تسعيرة وقود السيارات .
- إلغاء أو خفض ضريبة الشرطة على تجديد ملكيات السيارات .
- إلغاء المخالفات المادية على التجاوزات المرورية ، و استبدالها بعقوبات أخرى ، أكثر جدوى في الردع و التنبيه ، كالسجن ، و سحب رخصة القيادة . لأن المتضرر الأول من الغرامات المأخوذة هنا ، هي العوائل في نهاية التحليل  و ليس السائق ، الذي سيدفعها حتى من لقمة عيش أبنائه أو بالتسول و شحتها من الآخرين .
- إلغاء أو خفض ضريبة الإسكان المأخوذة على استخراج ملكيات الأراضي
- العمل على خلق و تشجيع إنشاء البنوك الإسلامية ، لإراحة الناس من مراباة البنوك التجارية ، و جني الأرباح الفاحشة من وراء ظهورهم .
v   أن تعمد الدولة إلى تفعيل الجهة المعنية بحماية المستهلك ، و أن تمنحها الصلاحيات القادرة على ردع كل من تسول له نفسه اللعب أو التلاعب بلقمة عيش المواطن ، أو ضروراته الحياتية .
v   أن تضع الدولة في اعتبارها مسألة العدالة و تطبيقاتها في توزيع الثروة و مشروعاتها ، أو هباتها الوطنية ، و ليس من المعقول و لا من المقبول ، أن يستفرد و ينعم بخيرات و ثروات هذا الوطن 10 % من سكانه ، فيعيشون في قصور مشيدة منيفة ، و يأكلون المن و السلوى ، و يركبون وسائل النقل الفارهة ، و يحيون حياة الترف و البذخ ، في الوقت الذي يأكل فيه الآخرون الحُصْرُم  ، و يعيش  90% من الشعب حياة دون الكفاف ، بلا سكن كريم ، و لا طعام سليم ، ولا نقلٍ ، سوى أقدامهم ، أو أضعف السيارات بباهظ الديون للوكالات .
v   و لتطبيق فكرة العدالة المطلوبة ، نرى ضرورة اتخاذ الخطوات التالية:-
§       إلغاء المحسوبية و التمييز الطبقي الممارس في بعض المؤسسات الحكومية ، و على رأسها ، الديوان ، و القضاء ، و جامعة السلطان قابوس ، فيجب أن ينضوي الجميع ، جميع فئات الشعب و موظفي الدولة ،  تحت مظلة قانون وظيفي و مالي و تشريعي واحد ، طالما أن الجميع هم أبناء وطن و حاكم واحد . و التمايز الوظيفي يجب أن يبنى على أساس و معايير الأهلية و الكفاءة و الإخلاص و الجد و الإبداع في العمل ، لا على أساس الجاه أو الواسطة و المحسوبية ، و لا على أساس اعتبار وظائف مؤسسة ما ،  أسمى و أرقى عن غيرها من باقي المؤسسات ... و إلا لكان العاملون بوزارتي التعليم و الصحة ، هم أجدر الناس و أحقهم بهذا التمييز ، لأنه لولا عملهم و المهام النوعية التي يقومون بها،  لما كان لدينا من الكوادر المؤهلة والقادرة علمياً و صحياً ، على القيام بأية مهمة أو عمل لبناء هذا الوطن و تشييد صرحه .
·       و هذا يعني فيما يعنيه ، تطبيق و تحقيق العدالة و المساواة في الرواتب ، و في مكافآت و معاشات التقاعد ، بالنسبة لكل مرتبة من مراتب الهيكل التنظيمي الموحد بكل المؤسسات الحكومية . إذ أن الاختلاف في المرتبات و الامتيازات ، و في تعدد صناديق التقاعد ، و التباين الكبير في  المكافآت ، يثير الحفيظة في الناس ،  و فيه حيف و إجحاف كبير في حق المواطنين الآخرين المعتبَرين , كأنهم من سقط المتاع ، أو مواطنين من الدرجة الثانية .
·       و عليه ؛ فمن الواجب ،  توحيد مرتبات الوظائف بكل القطاعات الحكومية ، و الأصلح و الأنفع ، دمج صناديق التقاعد و توحيدها في صندوق تقاعدي واحد ، يعم خيره جميع الموظفين بشكل متساوٍ ، لا لبس فيه ، وتستثمر، في الوقت ذاته ،  أمواله الملايين ، في إقامة مشروعات اقتصادية  تنموية ، تسهم في بناء الوطن و توفر آلافاً من الوظائف  للمحتاجين الباحثين عن العمل.
·       تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص لدراسة و تقييم المناقصات  ، والعطايا الحقيقية المستحقة للمشروعات المقدمة ، و العمل على إنهاء النهش و الافتراس  للمال العام من قبل الذئاب البشرية .
·       منع قيادات الصف الأول و الثاني للدولة ، من المشاركة في أية مناقصة حكومية ، و ذلك لئلا تجتمع في المقاول المنفذ سلطتا المال و القانون . و هذا يعني فصل سلطتي المال و السياسة عن بعضهما . و منع جمعهما في يد واحدة ، درءا للفساد ، فلا يمكن أن يكون المرء خصماً و حكماً في آن معاً .
·       كما يجب أيضاً ، عدم السماح بإسناد أية مشروعات حكومية ، لأي شركة يكون فيها لأحد أعضاء لجنة المناقصات هذه ، نصيب فيها ، أو نصيب لأحد أقربائه ، و من يثبت عليه الخروج على هذا المنع أو التحايل عليه ، وجب اتخاذ الإجراءات الرادعة نحوه .
·       أن يتم عرض المشاريع الحكومية بكافة تفاصيلها ، في موقع الكتروني خاص بهذه المناقصات ، بحيث يستطيع كل مواطن الاطلاع عليها ، و إبداء الرأي حولها ، في نفس الموقع ..
·       أن تتم مراقبة المشاريع الكبيرة في الدولة عن طريق بيوت خبرة عالمية متخصصة لضمان التنفيذ الأمين و الدقيق لتلك المشاريع .
·       منع أو إلغاء ظاهرة الاحتكار الذي تمارسه بعض الشركات والمؤسسات التجارية لبعض المنتجات و السلع الحيوية ، و ذلك لما لهذه الظاهرة من دور كبير في فرض الأسعار المحرقة على كثير من السلع و المستلزمات الضرورية  لحياة المواطن .
لذا نقترح على جلالتكم فتح الباب أمام الجميع لاستيراد أو تصدير السلع وفق الضوابط والقوانين المعمول بها ، و عدم حكرها على شخص بعينه أو جهة بذاتها  .
·       تفعيل دور الزكاة في دعم أوضاع و حياة الفئات الفقيرة و المحتاجة ، في بلادنا الحبيبة ... فلو أخرجت الشركات و أصحاب الأموال زكواتهم ، لحصلنا على الملايين الكافية لسد حاجات كل الفقراء و المحتاجين في عمان .
·       دعم الأعمال و المؤسسات الخيرية في ربوع هذا الوطن ، لخلق و تقوية ظاهرة التكافل الاجتماعي ، التي سيكون لها الأثر الطيب في بعث روح التفاؤل و الأمل في صفوف الناس ، لاسيما الفقراء و المحتاجين منهم . .. شريطة أن يُحظى بهذا الدعم الفئات المستحقة  له فعلا ؛ لا أن يكون مصدر دخل إضافي  للمقتدرين و الميسورين ، كما هو حادث حالياً عند توزيع المعونات الاجتماعية أو الحصول على إعانات الضمان الاجتماعي .
·       إنشاء صندوق خاص  لدعم الراغبين من الشباب في الزواج ؛ وهو أمر سيكون له دور كبير في حل مشكلة العنوسة الضاربة بأطنابها في كل بيت أو يكاد  ، و التي يهدد استمرارها و تضخمها بانتشار ظاهرة الفساد الأخلاقي في البلاد .
·       العمل على إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية ، و ذلك للحد من استفراد التجار بالأسواق و مرتاديها ، و إيجاد البدائل المعينة للمواطن في شراء حاجاته و مستلزماته الضرورية ، في سهولة و يسر .
·       منح قروض إسكانية بلا فوائد ، لكل راغب في بناء أو شراء بيت له أو سكن . فليس في وسع غالبية الناس اليوم ، و خاصة في مستهل حياتهم الوظيفية ، من توفير المبالغ اللازمة لإنشاء سكن كريم ، و ذلك لارتفاع أسعار تكاليف البناء إلى ما فوق طاقة أو دخل كل موظف مبتدئ.
·       السعي لتوفير فرص العمل الكريم ، لكل باحث عن العمل ... فالشباب هم مستقبل الأوطان في كل زمان و مكان ، و هم طاقتها الحيوية المتجددة ، بهم ترقى إن أحسنت استغلالهم ، وتوجيه و استثمار طاقاتهم و كفاءاتهم ، كما هو حادث – مثلاً-  في اليابان  ، و بسببهم تنتكس و تشقى ، إن هي أهملتهم و لم تحسن توظيفهم فيما يخدمها و يعلي صروحها و البنيان – كما هو حادث عندنا ، إلى حد ما – في عمان .

كتب الرسالة : زهران بن واهر الصارمي

رسالة أهل الداخلية لجلالة السلطان .. الجزء الثاني .. ملامح الإخفاق في مجالات التنمية البشرية


الاثنين، 11 أبريل 2011

وطن مختزل

1                                                         

في حديث مع الأحد الأصدقاء الفيسبوكيين أمس ، سألني باهتمام : ماذا كتبت للعيد الأربعين. فأجبته ببساطة : لاشيء. ويبدو أنه استنكر فعلتني المشينة وعلق قائلا: لماذا لم تكتبي ؟ ، أين الوطنية .. فأجبته أن الوطن والوطنية عندي لا يقيمه تاريخ ميلاد أحد ، عمان عندي ذات أسمى تسكنني لا أختزلها في يوم واحد ... ثم بدأ التعليل : كنت أعني أنه عليك ان تكتبي شيئا لجلالة السلطان .. فقلت : قد أكتب لعمان ، لكنني لن أكتب لقابوس ... ويبدو أن ردي أستفز صاحبنا فقال : قابوس هو عمان ،  وعمان هي قابوس .. وببرودي المعتاد أجبته : مخطئ يا سيدي ، عمان ذات خالدة ، أما قابوس فمواطن عماني محكوم بالرحيل ، هو مثلي ومثلك يخدم عمان في منصبه ،  وكلنا نفعل ذلك ، الفرق أن مسؤولياته ذات مسمى أكبر .... وهنا قال : طفول ماذا تقولين .. هذا كلام كبير يا طفول ، كبير جدا .. ولكن لن أناقشك ، فلا بد أنك تشعرين بانك مظلومة لذا قلت ما قلت ... ضحكت على منطقه والزاوية التي نظر خلالها للموقف وقلت ببساطة : لا أهتم
شعار مهين جدا للوطن كنت أقرأه كلما ذهبت إلى مسقط ، لوحة كبيرة جدا ممدوة بعرض الشارع مكتوب عليها : ( بابا قابوس ، انت عمان ) وكنت أفكر في خلدي أين سقطت ياء ( عماني ) ليصبح ( عمان ) .
ودائما تتكرر ذات الشعارات التي نقرأها أو نسمعها من أفواه أولائك الذين يتشدقون بحب عمان باسم قابوس ...
نعم ، لا شك أن قابوس قائد استثنائي وفذ ،  وذو حكمة وحنكة عسكرية ،  وهيبة بين القادة ، ولا شك أيضا أننا ندين له ( ولأخلاقنا ) بالأمان الذي كنا نعيش ، واتضح في مواقف عدة أنه قائد محب لوطنه وشعبه. ولكن ذلك لا يعطينا الحق في أن نختزل عمان فيه ...
لمن لا يعرف عمان ... ويظن أن عمرها 40 عاما... سأعرفكم بها ....
عمان كانت مهدا للحضارات القديمة قبل التاريخ ، هنا على أرضها قامت واندثرت أمم وشعوب وحضارات عريقة ،  والأثار من أقصى الجنوب إلى اقصى الشمال شاهدة عليها .. ثم أنها أول دولة تعتنق الإسلام سلما ، لما كان في أهلها وقادتها من حكمة وحصافة وعقل رصين يزن الأمور فيتبع أحسنها وأقربها لميزان العقل والروح ... تتابع على حكمها الكثير من الرجال العظماء الذين لا زال التاريخ حافلا بأسمائهم وجعلوا من عمان يوما ما إمبراطورية ممتدة من شرقي آسيا وحتى جنوب أفريقيا ، وامتلكت أقوى اسطول بحري عرفته الأمم وسادت يومها البحار ، ووصلت إلى درجة عالية من الحضارة والرقي العلمي والأدبي ، وأخرجت علماء اللغة والدين والعلوم ... ....
كيف نختزل كل تلك العظمة والتاريخ العريق في 40 سنة وشخص قابوس ، وكأننا نرى عمان وليدة السبعين ... أي ظلم نمارسه في حق أولائك العظماء الذين صنعوا ترايخ عمان حين نقول بأن عمان ( لم ولن تلد شخصا كقابوس ) وأي ظلم نلحقه بالأجيال المقبلة من قادة الوطن ....
أي حب ممسوخ للوطن حين نقول ( قابوس هو عمان ) ونحب عمان باسمه ،  وحين يرحل قابوس ، يموت  الحب معه ويتوجب علينا أن نحبها باسم آخر ، وتضيع عمان في زحمة الأسماء ... حين يصبح الولاء لكرسي لا لأرض يموت الولاء معه ، ... ثم أين ذهب العمانيون ، والأرض والشعب مزيج لا ينفصل ، أي تهميش هذا يمارس ضدهم من قبلهم ، ألسنا ( كلنا عمان ؟ ) ..
لو نتأمل فقط في قدر الضياع الذي نزج به في هذا الوطن ، في رمز بسيط جدا ، ( النشيط الوطني ) أو بالأحرى ( النشيد السلطاني ) ، نحن لا نهتف فيه للوطن كما تفعل كل الأمم ، بل نهتف فيه لقابوس .. حتى مطلعه لم نقل فيه ( يا ربنا احفظ لنا عمان ) بل ( جلالة السلطان ) ... وكأنه بات أكثر أهمية وأعلى قيمة من الوطن ... وعندما يرحل هذا الرجل .. سيتوجب علينا أن ندعوا الله أن يحفظ رجلا آخر ... مهين جدا ما يحدث هنا للشعب والوطن ، فالرجل سيتغير حتما ، لكن لا يتغير الوطن ... فلماذا لا نهتف للوطن في صباحاتنا ومساءاتنا ؟؟؟؟ بدلا من أن نساق من اسم إلى آخر ،  وكأننا قطيع مسلوب الإرادة ...
أشعر أحيانا أن هذا الشعب منوم مغناطيسيا وما عاد يسيتطيع التفريق بين الوطن الخالد والكرسي المحكوم بالزوال ، ومؤسف جدا كل هذا الخلط وعدم القدرة على حب الوطن لأجل الوطن ...
نعم .. قابوس أحدث فرقا بعد السبعين ،  ولكن هناك أمرين لا يجوز أن نغفل عنهما .. قابوس أحدث فرقا لأن الشعب أراده وسعى لهذا الفرق في المقام الأول .. كما أن ما قام به قابوس ، ليس منة أو كرامة منه ، وليس شيئا زائدا عن حاجة الناس ،  إنه حق كل مواطن يعيش في أرضه ، حقه في العيش الكريم ، في العلم ، في العلاج ، في الخدمات الأولية والبنية التحتية ، فماذا فعل قابوس غير واجبه؟ ... وماذا عساه أعطانا فوق حقنا ، أستغرب جدا أن أعظمه لأنه أعطاني حقي ، ... هل كان يتوجب علي أن أنتزعه انتزاعا؟

ما تم إنتاجه خلال 40 عاما ليس سو شعب يقتات على المنن والعطايا ، شعب ( يشحت حقوقه ) ،  ويقبل بطيب خاطر المكرمات ويقبل اليد التي اعطته وتكرمت عليه بكل إجلال ،  وينسى أنه ذلك ليس إلا حق من حقوقه المشروعة ..

دعوة لكل من لم يعرف عمان ، أن يعرفها ...
الوطن أعظم من أن يختزل في شعاراتنا المشينة والمهينة لنا وللوطن ...
أنا أحب القائد ... لكن ، لا يمكن أن احبه أكثر من وطني ، ولا يمكن أن أراه وطني ...

طفول زهران