الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

ليلة في فندق جراند حياة مسقط

.

هنا حيث يربك الصمت همهمات الحاضرين , أتأمل الوجوه بصمت . كان يجلس مقابلا لي لكنه ما لبث أن أدار لي ظهره .. حركة النادلات الرشيقة يجعل هذه القاعة الصماء تدب بالحياة . اقترَبَتْ بصمت إلى يميني حاملة بيدها صحن الزبدة البالغ الصغر وحَرَّكَتْ الكأس المختنق بخفة ووضَعته أمامه .. هناك في الجانب الآخر من الطاولة تجلس فتاة ناعسة العينين , تتحدث بسعادة بالغة إلى رفيقتها وتبتسم بين الفينة والأخرى .. أتى رجل القوائم ليسجل حضورا من نوع آخر , فلسنا في قاعة الدراسة . نحن نتحلق حول طاولات مستديرة بيضاء .. تماما كما يبدو لي وجه النادلة الواقفة أمامي.. رنين هاتف يأتي حادا غريبا كأنه من عالم آخر يخترق سكون المكان , إنها ذات الحجاب الملون , تبدو مميزة بلونه الزهري الفاقع بين كل هذه الرؤوس السوداء ... اقتربَ منها بتهذيب كبير معتذرا : " لو سمحتِ , تلك هي طاولة الطالبات " .. وقفت بقوامها الرشيق , كانت فتاة أعرفها , التقيتها مرة في إحدى زيارات كليتهم للجامعة , إسمها ( شائعة ) , أهي حقا كذلك ؟ ... مُحاوِلة للفت انتباهي . اتصَلَتْ ليظهر اسمها على هاتفي ( شائعة الحاتمي يتصل ) .. لوَّحَتْ لي بيدها الرفيعة وابتسَمَتْ . لأرد لها تحيتها الرقيقة بالمثل .. بدأ المكان يكتض بالحضور ... هذه الموسيقى تثير في نفسي شجونا ما , كما أن الوجوه الشاحبة بدت لي أكثر وضوحا , وبدأ أصحاب الخناجر بالتوافد من ذلك الباب الزجاجي الكبير .. كؤوس العصير تضيق بذلك السائل اللزج ذو الألوان المختلفة المملوءة به . رَدَّتْ بود : you are welcome . ومضت تكمل عملها بطريقة آلية اعتادت عليها مع توزيع بعض البسمات الصفراء لهذا وذاك .. هل من الجيد أن أتسلى بفرقة أصابعي في مكان كهذا ؟ .. تبدو الثريات المعلقة أكثر رهبة من المكان نفسه , يعجبني تلألؤها الذهبي وامتزاجه بلون الإنارة الزرقاء .. هناك في الطاولة الأخرى يبدو أبي مستمتعا بالحديث إلى أحدهم , جميل أنه لا يشعر بالملل هنا .. لماذا اختفت الموسيقى فجأة , يصبح المكان أكثر وحشة بدونها .. يبدو شكل فقاعا الماء جميلة عند انسيابه بأناقة في الكأس فاغر الفاه تعطشا لبرودة الماء الذي يرسم خطوطا متقطعة وقطرات بلورية على سطحه الخارجي , منظر يشعر بالعطش .. وقفت إحداهن تقبل صديقتها التي وصلت توا بدو كبير , جميلة هي اللقاءات الودية المفاجئة .. في الطاولة المستديرة خلفي أصيخ السمع لشاب يمهس بأبيات فصيحة يبدو انها من بناته , يبدو لي صوته مألوفا جدا , تمنيت لو أستطيع الالتفات لأعرف من يكون .. بدأ الحفل .. كثير من الأسماء سبقتني .. ثم على حين غرة " جامعة صحار .طفول زهران الصارمي " . لم أكن أبدا مستعدة لسماع اسمي .. وقف وسرت بين الطاولات وانا أتجاهل كل الأنظار الموجة إلي , لا أذكر أبدا كيف كان شكل أمين عام مجلس الدولة وما إذا كان أبتسم أوقال شيئا أثناء تسليمي الشهادة , ولم أنظر ككل الطلبة إلى عدسة المصور المتطفلة على كل الوجوده .. عدت لكنني لم أتوجه إلى مقعدي بل ذهب إلى حيث كان يجلس أبي , انحنيت وهمست له : " بابا خلينا نروح البيت"
-
بس الحفل لسا ما خلص
-
خلاص خلينا نروح , طولنا على ماما كثير
-
لسا الساعة 9
-
ما احس بالراحة , ما أبغي أجلس هنا أكثر غادر أبي مقعده وسار إلى جانبي بصمت , وسط ذهوله وحيرته الشديدة من تصرفي الذي لم يعتد عليه . في الخارج كانت المواقف مليئة بأرقى انواع السيارات , وبينها كانت تقف سيارة ( بيك آب – تويوتا 95 ) فتح ابي لي باب السيارة ... رميت الشهادة بغلافها الأحمر المخملي الأنيق وتلك العلبة السوداء الثقيلة لساعة (رادو ) التي لم اعتد حقا ارتداء ساعة مثلها , فكل ساعاتي لا تتجاوز قيمة 5 ريال .. كان عالما لا انتمي إليه .. كان كل شيء مصطنع فيه . حتى اسمي وما سبقه ( أميز طالبة في جامعة صحار , طفول زهران الصارمي ) لم أشعر أنه اسمي .. لم أكن سعيدة أبدا كوني الطالبة الأميز ... عوالمي أبسط من كل هذه الأبهة الزائفة .. انا ابنة الجبل والمزرعة .. وحضيرة الغنم الصغيرة وأقنان الدجاج والسيارة البيك آب المستخدمة.. تظللني النخلة وتنير عوالمي الشمس , لا الثريات ولا الأسقف الاسمنتية .. عرفت محمود درويش وكازنتزاكيس وانا جالسة على الطين بين الأشجار .. عرفت طفول وروحها سابحة في حوض الماء الصغير في قلب المزرعة .. وقلبها معلق أعلى النخلة بين الثمار اللؤلؤية الجميلة .. عرفتها تشمر عن ساعديها وساقيها لتسقي الاشجار الحبيبة , وتمسك ( المجز ) لتعلف لحيوانات المزرعة وتطعهما .. رأيتها كثيرا في المطبخ تطهو لأحبتها , وفي أنحاء البيت تنظف وتمسح غبار الأيام .. تبقى روحي رغم الرحيل والاغتراب معلقة بكل تلك التفاصيل الصغيرة العفوية , تبقى عوالمي البسيطة تعني لي الكون باكمله ...

طفول زهران

السبت، 9 أكتوبر 2010

الطالبة الجديدة في الغرفة ( أ . 3 . 10 )


أ

خجولة منطوية على نفسها عرفتها قبل عام حين دلفت إلى غرفتي ووضعت حقائبها وحاجياتها في الزاوية قرب الباب . وتسمرت في مكانها ترمقني باستحياء لا تدري ما تقول أو ما تفعل
بادرتها بالحديث دون أن أبرح مكاني : " هل أنت الطالبة الجديدة ؟ "
ردت بصوت خافت مبحوح : " نعم " .. وأطرقت دون ان تضيف شيئا , حينها وضعت قلمي على الأوراق المبعثرة أمامي على الطاولة وتوجهت إليها . احتضنت يديها بين يدي : " اهلا بك عزيزتي " , كانتا باردتان وقشعريرة عميقة تولد من عظامها الرقيقة احسستها تنتقل إلى أطرافي . سحبت يديها المنهكتبن الذابلتين والتفتت إلى امتعتها : " أين أضعها ؟ "
-          هل أساعدك ؟
-          لا .. فقط دليني على خزانتي
-          تلك التي لا مفتاح عليها , أقصى اليمين
بدأت ترتب حاجياتها دون أن تخلع عنها عباءتها وجلست أنا على سريري مقابلة لها أتأمل حركاتها التي تفضح ارتباكها وحيرتها
-          أنا طفول
-          طفول ؟؟
-          نعم
وتابعت ترتيب أغراضها دون أن تلتفت إلي , انتظرت أن تضيف شيئا لكنها لم تنبس ببنت شفه
-          وانت ؟
-          ماذا ؟
-          ما اسمك ؟
-          حنان
ابتسمت وقلت مداعبة : ذهبت حنان لتأتي حنان أخرى ..
ثوقفت والتفتت إلي : ماذا تعنين ؟
ضحكت وأجبتها : قبلك كانت تسكن معي فتاة تدعى حنان , ولا أدري أي صدفتة جميلة اتت بحنان أخرى إلي , ما أجمل أن يمتلء جو غرفتي بأروع المعاني الانسانية وأشدها أثرا في الروح , لابد انك حنونة مثلها , كانت لي أما محبة رغم انها لا تكبرني إلا بأشهر قليلة .. 4 أشهر فقط .
لم تعقب على ما قلت ولم تبتسم حتى , نظرت إلي في جمود وعادت تكمل عملها ..
..........................
حاولت أن أتقرب منها قدر استطاعتي , لكن في كل مرة كنت ألج فيها إلى نفسها لا أجد سوى الظلام والمجهول .. كم كانت تثير في نفسي التساؤل والحيرة , كلما نظرت إلى عينيها أصدم بكم الحزن الهائل الذي تحمل . كنت أرى انهارا من الدموع تجتاح عينيها عميقة غائرة دون ان تطفو على السطح قطراتها رغم غضبها وهيجانها واحتدامها بشدة خلف تلك العينين السوداوين الصغيرتين الغائرتين في وجهها الأسمر الذابل , ومع ذلك كنت في ليال مظلمة كئيبة أسمع نشيجها المخنوق يأتي خافتا من تحت غطائها ... تنام على سرير عار غير مفروش ولا تضع تحت رأسها مخدة , تكتفي بلف نفسها ببطانيتها الحمراء الخفيفة جدا التي لا يمكن ان تدفع عنها البرد ..
...
لم أستطع أبدا سبر غور هذه الفتاة الغريبة جدا ...
وبعد أسابيع قليلة بدأت تحل العقد التي كانت تلف بها نفسها , ادهشها العالم الجديد الذي جاءت إليه حديثا .. هنا حيث تلبس هي الأثواب الطويلة العريضة وتلف شعرها خشية  ان تتضح تفاصيل جسدها  وتضاريس أنوثتها , هنا تجتمع الفتيات حاسرات الرأس عاريات الأرداف والسيقان , ملابس ضيقة وقصيرة وفتنة أنثوية مثيرة وألوان قزحية على الشفاه والأعين .. كان كل ذلك غريب تماما عن عالما , بدأت أخاف عليها من كل ما لاحظت عليها من تغير لا يمت لها بصلة ويخفي هويتها التي تميزها عن غيرها , لم أرغب ابدا ان تصبح مجموعة قطع مجمعة منسوخة من أخريات يعشن بسطحية لا تليق بعمق روحها.... أحببت غموضها وعفويتها المزعجة أحيانا .. أحببت الفوضى الداخلية التي تجتاحها وتعصف بها .. لا تزال روحها بكرا لم تعبث بها كل الأفكار الدخيلة الغريبة , أحببت فيها طبيعة الجبل حدة وهدوءا يثير الرهبة , أحببت أشجار الوادي السامقة التي مدت جذورها في تربتها الرطبة , لم أرد لها ان تعبد وترصف بالاسفلت ., لا أريد لمعالمها الجميلة أن تحفر وتأسس عليها عمارات الاسمنت الجامدة , كانت اجمل جدا كما هي ...
ممر طويل يؤدي إلى غرفتي ( أ . 3 . 10 ) , كنت أقطه وتأخذني أفكاري بعيدا إليها , فتحت باب الغرفة بهدوء فألفيتها واقفة تسرح شعرها الطويل الذي يصل حتى ركبتيها , جميل حالك السواد مسترسل .. لم تنتبه لوجودي فقد كانت منهمكة متعبة من طول الوقوف وطول شعرها الذي يبدو انها لا تستطيع الوصول إلى زواياه الجميلة بسهولة
أغلقت الباب خلفي فالتفتت ناحيتي , ابتسمت لها في ود وتوجهت إليها . اخذت المشط من يدها : " دعيني أساعدك "
مشطت لها شعرها ولففته  , كنت سعيدة جدا عندما أستشعرت رضاها عن عملي .. التفتت إلي .ابتسمت  وشكرتني , كانت المرة الأولى التي أراها فيها هادئة وغلواء روحها ساكنة , ضممتها إلى صدري : " أرجوك كوني كما انت , لا تغيرك العوالم القبيحة التي ترينها "
لم اعانقها بعدها أبدا فقد قررت أن تسكن مع أحد قريباتها وصديقة أخرى
كنت ألمحها بين فترة وأخرى , وكانت تحتفي بي كلما رأتني , تغير فيها الكثير عدا ذلك الحزن العميق الذي تطفح به عينيها . حزن لا أدري إن كان هناك من قرأه سواي
مر العام فقررت إدارة السكن نقلي من الغرفة لعدم تواجد أحد سواي فيها , وعلي ان أسكن في غرفة ثلاثية . لم أذهب بعيدا فقط انتقلت إلى الغرفة المجاورة لغرفتي , بعد أيام عادت حنان لتسكن في ذات الغرفة ( أ . 3 . 10 ) ولكن هذه المرة مع صاحبتيها .
....................................................
كان صباحا جميلا ايقظني فيه اتصال من الشاعر عبدالله العريمي , فتحت النافذة على مصراعيها وأطللت من الدور الرابع على الأرض المبتلة برذاذ خفيف  يغسل الروح من غبار الأيام . كان صوت عبدالله الدافء وهو يتلو أحد قصائده من ديوانه (سمني أيها الحب ) والرذاذ البارد الذي يغسل وجهي فردوس جميل لا يمكن أن أحلم باكثر منه . بدأ الرذاذ يتحول إلى قطرات مطر ثقيلة متسارعة , ودعت عبدالله ودلفت إلى الداخل صاعدة إلى غرفتي . رميت الهاتف وخرجت مسرعة لأحظى بعناق طويل حميم مع المطر .
كنت أسير وحيدة والمطر يهمس لي بالكثير ويحدثني عن غياب طويل خبأه القدر حين لمحت حنان تسير لوحدها مطرقة الرأس ,فأسرعت الخطو لأدركها  . وضعت يدي حول كتفيها وشددتها إلي : " كيف حالك يا صغيرتي ؟ "
-          ابتسمت في استحياء : " بخير .. كيف حالك انت ؟ "
-          بخير ... لماذا انت لوحدك ؟ , أين صاحبتيك ؟
أطرقت . ثم قالت بعد صمت لم يطل : " يعدان للامتحان "
نظرت إليها ولا تزال منكسة الرأس  , علمت عندها انها ليست على ما يرام .. حزن اعمق مما عهدته فيها ألقى عباءته السوداء عليها : " أنا سأسير معك إذن " .. نظرت إلي بعينين يبللها المطر والدموع التي ظنت أن المطر قد يخفيها : " حسن "
سرنا معا دون أن تنبس أحدانا ببنت شفه .. كان بيننا صمت يتحدث ويبوح بالكثير . أمسكت بيدها وضغطت عليها لتشعر بقربي : "حنان ... اتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ ... وكيف تنشج المزاريب فيه إذا انهمر .. وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع .. بلا انتهاء كالدم المراق كالجياع .. كالحب كالأطفال كالموتى هو المطر ..... حبيبتي , ما خطبك ؟؟؟؟ " .. لكنها لم تجب وبقيت تسير إلى جانبي ممسكة بيدي مطرقة الرأس .
كانت ترتجف كعصفور صغير مبلل ,  أخذتها إلى الداخل وتركتها تذهب إلى غرفتها لتغير ملابسها المبتلة الباردة ... ولم أرها بعدها حتى اليوم , لكن وجهها الذابل وذلك الحزن الذي يسكن عينيها لم يبرح مخيلتي .. في الأيام التي تلت ذلك اليوم , كنت اصادف رفيقتيها في الجامعة وأتعمد السؤال عنها , ولكن لا جواب سوى ابتسامة خجلى وجواب متردد أنها بخير.
كانت مصادفة عندما طرقت باب غرفتها ذات صباح قريب وعندما دخلت صدمت بان سرير حنان لم يعد موجود : " أين حنان ؟ "
-          لم تعد معنا , انتقلت إلى غرفة أخرى
-          لماذا ؟
-          ذهبت مع صديقاتها
-          ولكن حسب ما أعرف فلا صديقات لها سواكما
-          لا ندري
لم يكن سيرها تحت المطر وحيدة يومها عبثا , أين ذهبت حنان ؟؟؟؟؟ .
اليوم قررت أن أفهم ما يحدث , توجهت إلى غرفة صاحبتيها التي كانت تسكنها معهن وكنت وإياها نسكنها ذات يوم , طرقت الباب ووجدت في الداخل قريبتها , دخلت وجلست على السرير الذي كان يوما ما سريري
-          تعلمين لما انا هنا
-          نعم
-          أين حنان
-          انتقلت إلى غرفة أخرى
-          لماذا ؟
-          من الأفضل أن تسأليها هي فانت مقربة لها جدا
-          أريد ان أسمع منك .. أرجوك أخبريني ما الذي حدث لترحل حنان
-          الأمر ببساطة أننا لم نستطع ان نتفق .. فطلبنا منها الخروج من الغرفة وتركها لنا
-          ماذا ؟؟؟؟؟؟ .. طلبتما منها ترك الغرفة ؟؟
لم استطع حقا استيعاب ما سمعت .. أي برود قاتل هذا , نزل كلامها علي كالصاعقة في حين أنها اعترفت بطردها من الغرفة دون خجل , :" وحنان ؟ ألم تفكرا في ما سيسببه إخراجكما لها من الغرفة من ألم , ألم تفكرا بالجرح الذي تسببتما به لها ؟؟؟؟ " .... صمتت الفتاة ولم ترد علي.
فتاة عذبة شفافة الروح كحنان لا يمكن أن تحتمل أن تعامل بهذه القسوة واللائنسانية . لم يكن ذبها انها لم تستطع أن تتعايش مع الزيف والقبح الذي يلف العالم من حولها , لم يكن ذنبها أنها عفوية للحد الذي لا يمكن لأي أحد فهمها وأستيعابها . لم يكن ذنبها أن تكون أروع وأنقى من كل الفتيات اللاتي يحطن بها ...
ليت الألم الذي أحسه لأجلها يصلها ويخفف عنها .. ليتني أستطيع الوصول إليها !!!!!!
حنان .. عرفتها لأقل من ثلاثة أشهر في غرقتي الصغيرة ( أ . 3 . 10 ) , فترة قليلة جدا لاعرف عنها كل شيء , لكنها رغم ذلك تعني لي كونا بأكمله, احببته رغم جهلي به .....

طفول زهران

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

حيث السماء بلا نجوم ... كانت الأحلام


يا منزلا نزفت عيناي صورته .....
رمم بقاياي  من طهري ومن كمدي

مذ سار نعشك ضل النور شرفته .....
 واستوطنت غربة سوداء في أحدي

مالي وذاكرتي فوضى مهشمة .....
للنور مقصلة تختال فوق يدي

كواكب سجدت في الحلم معجزة ......
 والشمس والقمر المنفي في سهد

يا آل يعقوب حلمي مات بينكم .....
واجتث ملك قبيل البعث في بلدي

يا قبضة الشوك روحي بعض أحجية .....
يساقط الرمل حولي إن عصرت يدي

حتى إذا اكتملت للظل أروقة .....
يعتق الصبر من ضعفي ومن جلدي

أغتيل بدر ونزف الأرض إنجيل .....
 قدسية أدمع الدامين بالرمد

مسكينة أمي الخرساء كم صبرت  .....
 تحبو على حشرجات الموت يا ولدي

ما لي ألملم حلم الأمس أضرحة .....
قبرا لقيصر أم فرعون في خلدي

شواطئ الزيف أشباح تلاحقني .....
 سوداء يا حفنة الأزمان والأمد

شهيدة الأحرف الصفراء حنجرتي .....
صمت يفتش في الأحداق عن مدد

ألملم الشمس أهدابا ممزقة .....
أحصي الزوايا وألقي في المدى عددي 

رفات صبري همس الغيب بعثره .....
حلم تغرب عن روحي و لم يعد

أمر طيف جنازات معلقة .....
يسامر الوتد المدقوق في كبدي

سفح الهلاك وابواب الجحيم هنا .....
 ولست أدري ليومي النار أم لغدي

الآن آمنت أن الريح إن عصفت .....
صارت بقاياي تيجانا من البرد


 طفول زهران



الأحد، 12 سبتمبر 2010

وتبعثر الفرح



لم تكن أجواء اليوم تشي بما كان سيحدث ، غير أن اروحي كانت بعيدة على غير العادة ...
 أحتضنتني عمتي وقالت : " ما عاجبتني اليوم ، ليش ساكتة ؟ "
" ماشي حبيبتي "
" حميتي جات عندي اليوم وذكرتش ، قالت انش واجد حبوبة ، قريت لك كم مقال في الجريدة "
" شكرا جزيلا عموه ، سلمي عليها واجد "
وخرجت بمصت ..
ملاك كانت الشمعة الوحيدة التي تبعث النور في أغوار نفسي المظلمة، وتبهج أحد زوايا روحي القصية ،  ملاغاتها وحروفها البريئة كانت نافذة أطل منها للنجوم المبعثرة في سماء سمائل.
 المرور بسوق المدرة يثير في نفسي الكثير من الذكريات التي بدأت بالتلاشي ، كنا في زمن مضى نقصده أيام الأعياد ، لأنه أبعد مكان يمكن الوصول إليه ، فمسقط كانت حلما من احلام الطفولة وكانت عيدا آخر ...
نامت ملاك ، ونامت معها النجوم ، ونام الفرح ...
إلى اليمين كانت إمطي تنتظرنا بدفئها ، هناك ، لا يستطيع الظلام طمس الجبال ، فتبدوا كمردة يسجدون للنخيل الممتدة أمامهم ، أو كأشرعة لفلك من نخيل ..
في بيت خالتي ، كان الجميع متحلقون حول النار لشي المشاكيك ، كنت أمد كف يدي الملتفة حول ملاك النائمة في حضني لمصافحة الجميع...
ودلفت إلى الداخل للسلام على الأمهات الجالسات بصحبة أطفالهن الرضع هناك ..
كان كل شيء لا يزال هادئها وطبيعيا حين دخل ولد خالتي الأكبر ، ولبس دشداشته وقال بهدوء : " أنا رايح إزكي "
لكن خالتي كانت أعمق من أن يفوتها تغير طرأ على ولدها ، فقالت : " خلفان ما طبيعي ، اكيد صاير شي ، وإلا مو يوديه تو إزكي ؟! "
سمعت زوجته كلام خالتي وأطلت من الباب الذي خرج منه ، والذي كان يجلس خلفه الرجال وقالت : " ترا ما احد أبدا برا "
جفل الجميع ، وأدركنا بأن شيئا مريبا حدث ، خرجت جميع الامهات وكل واحدة تنادي اطفالها وتدعو أن لا يكون مكروها قد أصاب أحدهم ، وحين أصبحنا جميعا في الخارج ، ووسط الذهول والحيرة ، جاء ولد خالتي ، وقال لزوجة أخيه الكبير : " لبسي عباتش وخلا معانا " ، هنا انهارت الزوجة ،  وضعت رأسها بيت يديها ، وصرخت : " أي واحد من أولادي ؟ .. أرجوك خبرني مو صاير ، أنا حاسة أنه ملك أو نور"
" انتي بس تعالي "
" ما أقدر أجي إذا جد من أولادي صاير معه شي "
" ما توثقي فيني ؟ "
" اوثق "
" عجب خلا ، وأولادش كلهم بخير اطمني "
اسرعت إلى الداخل لإحضار عباءتها وهي تتمتم : " يالله ، أي واحد من أولادي ؟ ، خبروني حرام عليكم ، نور وإلا ملك ؟ "
لم يكن شيئا قد اتضح بعد ، الجميع يلفهم الذعر ، والتساؤلات تنهال من كل جانب ، إلى أن أتى أحد الأطفال وسالته : " شو صاير؟ "
" ملك دعمته سيارة وشلوه المستشفى "
تحركت السيارات ، وذهبت الأم والجدة والخالة ، وكذا الأب والخال إلى المستشفى ، ولحق بهم بعض الأهل
والكل يستاءل في ذهول ، ماذا حدث لعبد الملك ؟؟...
هكذا تبعثر الفرح ..
                                                                                
طفول زهر ان  
13\9\2010