دهشةُ الطين
طُفُول زَهران الصارمي
تألقت القاصة والشاعرة الجميلة طفول زهران الصارمي في الملتقى الأدبي السابع عشر والذي أُقيم هذا العام بضيافةِ شهباءِ نَزَوى .
نالت طفول زهران المركز الأول في مجال القصة عن نصها ( أي العوالمِ أَصَدْق ؟ ) وفي مجال الشعر الفصيح المركز الثاني عن قصيدتها المُعنونة ( طين ).
يغلبُ على السواد الأعظم من نصوصُكِ طابعُ حُزن شفيف وعمق يستحثُ ذاكرة المكان والطين فلأي هاجس تكتبُ طفول ؟ أكتب للقدر الذي فاتني أن أكون ، لتلك الأزمنة والعوالم القصية التي كان يجب أن أكون شيئا من منظومتها لكنني وصلت بعدها بزمن بعيد ، أكتب للطفولة التي لم تكن ، للإنسان الذي يجب أن يعاش ، اكتب صلاة الذاكرة الاولى ، وأكتبني فيها بكل تجلياتي وكل ما أعرفه عن طفول
( كلٌ فتاةِ بأبيها مُعجبة ) أي بوح تستفزُ هذه الكلمات في خاطرُكِ ؟
أبي رفيق العمر وتوأم الروح ، الصديق الاوحد الذي رافق إرهاصاتي الأولى وولادتي في الجرح ، تأثري المبكر بخطه الفكري وليبراليته الواعية ، أتاحت لي مساحات أوسع للتأمل والمعرفة ..
حضور أبي في نصي الشعري ، طين ، لم يكن في المقطع الأخير من القصيدة ، بل كان حضوره جليا ضمنيا مذ خطت قدمي صوب صباح الطين ، تماهيا مع تفاصيل الطين وعوالمه الحمراء حيناء ، والرمادية حينا آخر ..
إن كانت كل فتاة بأبيها معجبة ، فأنا لا يمكن أن اكون لأبي ورفيق روحي مجرد معجبة بكل ذلك التجريد والبساطة.
الترجمة ، الشعر ، القصة أي العوالم أقرب إليكِ ؟
لا أحبذ عادة توصيف وتأطير وتجنيس الادب ، الكلمة هي الحكم دائما ، هي من تختار حلتها شعرا أو نثرا ، أحب في الشعر ذلك الإقاع المعوزف على وتر القلب ، والموسيقى المنثالة منه ، احب الخلق فيه ، وتلك الأجنحة الإضافية التي يجردها الخيال متى ما حضر الشعر بحلته القزحية الفاتنه والمؤلمة معا . أحب في القصة تلك المساحات الحرة للبوح والهذيان ، ذلك التأمل في التفاصيل التي لا أستطيع التغاضي عنها كلما كتبت ، إلا أنني ادرك أنني في النهاية علي أن أختار احدهما ، وكم يخيفني أني قد اختار النثر وأترك يوما ما الشعر ..
اما الترجمة ، فذلك باب آخر أكتشف من خلاله نفسي ، انها مسؤلوية فكرية مقلقة ، لن أحب امتهان الترجمة ، او التفكير فيها كجانب تخصصي ، أفضل التعامل معها كشغف بعيدا عن الدراسة والمهنة .. هناك طموح كبير أعلقه عليها .
لم تكن مشاركتُك في الملتقى الأدبي السابع عشر هذا العام هي المشاركة الأولى ، كيف تصفين لنا مشاركاتُكِ السابقة ومشاركتُكِ هذا العام ؟
مشاركتي في الملتقى الماضي كانت مخيبة للآمال بعض الشيء ، وقد يكون ذلك طبيعيا في مشاركتي الأولى ، غير أن هذا الملتقى ، كان مختلفا جدا ، كان حقا ملتقى بالمعنى الحقيقي للملتقى ، ذلك الاثراء والاضافات الحقيقية لتجربتي الكتابية ، نقاء الارواح المجنحة ، اللقاءات والحوارات الفكرية العميقة .. اجدني الآن احن لكل ذلك ، ولأولئك الرفاق الذين جمعني بهم الملتقى هذا العام
أكثر من صديقة رفضت المشاركة في الملتقى الأدبي بدعوى أن مسألة فوز نص دون آخر في الكثير من الأعوام لم تكن منصفه ، ما رأيكِ أنتِ بهذا الشأن ؟
لا أنظر للملتقى الأدبي كمسابقة في المقام الأول ، أولئك الذين يسعدون للفوز ينتهون سريعا ، لايمكن أن يكون التحكيم منصفا باي صورة من الصور ، كل النصوص اولى ، وكما يقول الجرجاني لا يمكن المفاضلة بين الشعراء ، وذلك ينطبق على كل الفنون الأدبية ، ذلك ان لكل نص خصوصيته وما يميزه ، وبالتالي فالمشاركة في الملتقى وما يتخلله من فائدة وصقل للمقدرة الكتابية عن طريق المناقشات مع المشاركين والأدباء الحاضرين يجب ان يكون الهدف الأول من الشاركة ، هناك الكثير من الذين فازوا في الملتقى ثم اختفوا بعد ذلك ، في حين أن هناك من لم يفز غير انه أصبح الآن متحققا .. علينا ان نخلص للقضية الأدبية ، لا للجائزة المادية ,
في حوار في أحد المنتديات الأدبية أثار أحد المتابعين للملتقى الأدبي تساؤلاً حول الرمزية في قصيدة ( طين ) - التي حصلت على المركز الثاني - ، ورأى بأنهُ من الصعب على القارئ – ما لم يكن واسع المعرفة – أن يفُكَ – حسب قوله – هكذا رمزية ولذا وجب على الشاعر النزول لمستوى القارئ ، فما ردُكِ على هكذا تساؤل ؟
نحن نطالب الشاعر دائما بالنزول لمستوى القارئ ، فلماذا لا يصعد القارئ لمستوى الشاعر؟ .. الشاعر ليس مطالبا بتفسير ما يكتب ، ففي لحظة الكتابة يتجرد الشاعر من نفسه ، فكيف له أن يلبس الآخرين ؟ .
من الملاحظ في الملتقى الأدبي هذا العام الحضور الكبير للأقلام النسوية خاصة في مجال كتابة القصة القصيرة واللافت للنظر كذلك تحرر الكثير من النصوص من قالب الأدب النسوي إلى الأدب عامة كأدب إنساني ، كيف تحررتِ من ميل الكتابة للمرأة وهواجسُها إلى نهج سبيل الأدب الإنساني ؟
ربما لأنني أراهن دائما على الإنسان ، متجردا من ذكورته وانوثته ، الإنسان كذات لا يعترف بتلك الفوارق الفيسيولوجية...
الكتابة هي لحظة انعتاق من الكثير من الاشتراطات الواقعيه ، لحظة يعيش فيها الكاتب عالمة الذي يتمنى ، ربما لأنني ذاتيا متجردة من التطرف الأنثوي ، لأنني أحلم دائما بأن أعيش كروح مجردة من كل العناوين والصفات ، ينعكس ذلك على ما اكتب.
يصعبُ على الكثير من القُصاصِ الذين يكتبون الشعر أن يفرقوا في كِتابتُهم للقصة بين الشِعرية والشاعِرية كيف استطعتِ أن تتجنبي فخ الوقوع في الشعرية حين تكتبين القصة؟
ذلك انني في كتابة القصة أميل إلى الواقيعية التأملية ، أهتم جدا بالتفاصيل الصغيرة التي أرسم من خلالها لوحتي المكتملة ، مبتعدة عن الجموع في الميتافيزيقيا كما يحدث عادة في الشعر .
من خلال نصكِ القصصي والقصيدة نجد المكان حاضراً بقوة ، نجدكِ بجناحين الأول يحتضنُ البيئة العُمانية بكلِ تفاصيلها الدقيقة بدءاً من الطين الذي حضر بقوة في كتاباتكِ وانتهاءً بخصوصية هذه البيئة بكل غموضها ونمنماتها ، بينما يحتضنُ الجناح الثاني لغة راقية جداً تنمُ عن قارئة جيدة ، ما دور المكان في استفزازك للكتابة ؟
أعود لأقول بأني متأملة لا أفرط بالتفاصيل الصغيرة ، وكلما كانت التفاصيل أدق كلما شكلت لدي قيمة أعلى ، وتلك التفاصيل هي ما يشي بها المكان عادة ، فالقصة الذاتية ذات المونولوج الداخلي لا يمكن أن توفر لي تلك التفاصيل الدقيقة ، غير أن المكان دائما يفضح مكنونات الأشياء التي لا يمكن ان ندركها بصريا ، علاوة على كوني فتاة ريفية بسيطة، مغمورة بماء الفلج الدافء ، ومظللة بالنخيل ، احترم خصوصية البيئة التي اعيشها ومشبعة بتفاصيلها ، لذا أجدها حاضرة دائما في كل ما أكتب ، إلا أنني أومن انها مرتبطة بطفولتي الأدبية ، قد تغيب لاحقا مع نضج التجربة ، واتيح لنفسي عوالم ابرح .
الملتقى الأدبي فرصة لاختلاط الجيل الجديد من الشعراء والقُصاص الشباب بالجيل الذي قطع شوطاً وتركَ أثراً يُحتذى به في الساحة الثقافية العُمانية ، إلى أي مدى أثرت مشاركتُكِ في الملتقى الأدبي على تطور كتابتُكِ ؟
لا يمكن ان أقيس تأثري بهذه السرعة ، فانا بحاجة للكثير من الصقل والاشتغال على نفسي ، لكن لا انكر حجم الفائدة التي نخرج منها عندما نلتقي بهؤلاء الادباء ليس على تجربتنا الكتابية وإنما على ثقافتنا الادبية وفهمنا للكلمة
كيف تتصورين قادم الشعر الفصيح والقصة القصيرة في عُمان ؟
لا أميل عادة للفتاؤل فيما يخص الادب ، رغم جمال النصوص التي نقراها للشباب إلا أننا لا نستطيع الحكم عليها كمشاريع لأديب قادم .
الجيل الذي سبقنا ، كان جيلا موثرا على الحراك الأدبي في السلطنة ، وجيلا مثريا للثقافة والأدب العماني ، ولا أجد ان هذا الجيل استطاع مواكبة الجيل الذي سبقه إلا من ندر من المدبعين الراسخين ..
لا ريب بأن المتأمل لساحة الثقافية العُمانية سيلاحظ الحضور الجميل لشباب ، فهل تتصورين بأن أقلام عُمان الشابة ستصمدُ لما بعد هذا الملتقى وبعد سنوات حين تلجُ إلى الحياة العملية وتفاصيل المستقبل الذي يسيطر هم المال فيه على الكثير من العقول بينما الأدب صفر اليدين من إغراءات المال وكلُ ما بحوزتهِ متعة ذاتية في دهشة الروح والآخر وتذوق الحرف ؟
التجارب الادبية التي يطرحها الملتقى ، تجارب مبكر جدا أن نحكم على ثباتها ، ففي تلك المرحلة لا يشكل الأدب قضية بحد ذاته بقدر ما يشكل مساحة للبوح ورئة اخرى للتنفس .
سنفقد الكثير من الأقلام التي رايناها في الملتقى ما إن يدخل الكاتب إلى معترك الحياة الحيقيقي ، وتبقى الكتابة مرسى مؤقتا للكثير..
وأما الزبد فيذهب هباءا ، والادب محاط بهذا الزبد ، إلا أن الأيام القادمة كفيلة بغربلة هذه التجارب واسقاط الزبد عنها ، ويبقى دائما الأديب الحقيقي المخلص لقضية الأدب الأسمى ، الإنسان .
أُغلق الستار هذا العام على المُلتقى الأدبي وكُلنا أمل بأن يعود بربيع حافل بأقلام طموحة وسامية في منظورها للأدب كضرورة مُلحة ، والرهان الأصدق على الأقلام التي أثبتت بأن البند الأساس هو الموهبة وخير مثال طفول زهران ، شاكرة لروحها الطيّبة هذا الحوار القريب من روحي ومكتفية بتلاوةِ صادق أمنياتي لها بمستقبل أجمل إلى حينِ دهشة طين أُخرى .
جميل هذا الحوار وردود تنم عن مخيلة واسعة وعقل ناضج إلا أنني لم أستسغ طعم الرد الأول لمرارة في طعمه تمنيت لو أن البساطة التي عرفناها من طفول كانت ديكوراً جميلاً يزينه فكلمة يجب أن أكون لو كان محلها أرى شخصي فيها أو أتخيلني فيها أفضل لأنها لو أخذت لغوياً لعدها النقاد اعتراضاً على قضاء قضى به الله في كونك في مكان آخر في غير تلكم القصص في حين أنها أمنية تمنتها الكاتبة بحسب رأيي بحكم اطلاعي على بعض ما تخطه طفول
ردحذف